|




عبد المحسن القباني
معاداة الجغرافيا
2025-07-06
حين انتصر الهلال على مانشستر سيتي الإنجليزي، كان في صفوفه عدد من اللاعبين المحليين يفوق ما كان لدى الفريق الإنجليزي نفسه. وعلى النقيض، حين خسر الهلال أمام فلومينينسي البرازيلي، كان الفريق البرازيلي مكوّنًا بالكامل من لاعبين ينتمون لقارة واحدة، بينما جاء لاعبو الهلال من أربع قارات مختلفة. يالها من مفارقة حين انتصرت الجغرافيا في المرتين. بالنسبة لنا واحدة علت قمة المجد، والأخرى جلبت الخيبة. كلتا المباراتين تدعوان للتفكير في الجغرافيا، لا بوصفها حدودًا سياسية بل منظومة ثقافية واجتماعية واقتصادية.
نعم فرح كثير من العرب بفوز الهلال على مانشستر سيتي، واعتبروا النادي السعودي ممثلًا لهم في المحافل العالمية. لكن الجغرافيا لا تؤيد هذا الادعاء. فالهلال في صيغته الحديثة أقرب إلى فريق عابر للحدود مستعينًا بخبرات من قارات مختلفة، ولغات متباينة، وثقافات متعددة. فهل كان الهلال حينها «سعوديًا» أو «عربيًا» فعلاً؟ أم أن الفخر لم يكن إلا فرحًا صنعته النتيجة لا التكوين؟ فالفريق المكوّن حاليًا لا يرتبط بمحيطه كما يفعل اللاتينيون أو أفارقة صنداونز مثلًا، ولاعبوه لا يلهمون النشء بخطاب حماسي بلسان مبين.
في علم الاجتماع الرياضي، يشير بيير بورديو إلى أن الرياضة ليست مجرد لعبة، بل فضاء اجتماعي يعكس التراتب والرموز والقيم التي تنتجها المجتمعات. ومن هذا المنطلق، فإن الفرق التي تُبنى على تنوع جغرافي مفرط دون تجانس ثقافي، قد تفقد ارتباطها بالبيئة الاجتماعية التي تمثلها، وتتحول إلى «كيانات هجينة» ساعدت على الظهور اللحظي المميز.
إن الرهان على التنوع في تشكيل الفرق قد ينجح على المدى القصير، خصوصًا في المنافسات الدولية حيث الأداء فيصلًا، لكنه على المدى الطويل من شأنه أن يُضعف الهوية الكروية الوطنية، ويقلّص من فرص تطوير قاعدة محلية صلبة من اللاعبين والفنيين والإداريين.
وهنا يمكن قراءة هزيمة الهلال أمام فلومينينسي لا مجرد خسارة مباراة، بل إشارة رمزية لفكرة الفريق الذي «يستقطب من كل مكان» مقابل فريق مولود من نسيج مجتمعه محتفظًا بجذوره الثقافية والجغرافية.
بطولة العالم في فكرتها محاولة لتمكين الملاعب حول العالم من تقديم ذواتها، فهي توازي المنتخبات في التعبير عن جودة محيطها بالدرجة الأولى، لاسيما دوريات الظل. لا دعوة للانغلاق أو رفض الاستفادة من الخارج، بل لطرح سؤال جوهري: كيف نوازن بين الاحتراف والانتماء؟ وكيف نجعل من أنديتنا أن تقول هذه كرتنا بجغرافيتها وأقوامها المتقاربين؟ وكيف نبني فرقًا تمثلنا لا فقط تفوز باسمنا؟ إجابات منتظرة كي لا نكون للاستقدام مدمنين، وللجغرافيا معادين.